السبت، أبريل 23، 2011

من مذاكرات معتقل رأي سوري #Syria #Daraa #Damascus #Mar15 #April22 #Homs


الجمعة العظيمة.. معا نحو الحرية

أنا المواطن السوري مكتوم الصوت منذ الولادة..سُرقت مني حريتي قبل حتى أن أولد..
أنا المواطن السوري الذي تجرعت من حليب أمي الصمت..ومن نصائح أبي تعلمت أن أتجرع الذُّل بلهفةٍ وشوق..وفي مدرستي استقيت تعاليم البعث الخبيثة التي حُفرت حفراً في رؤوسنا لتخدعنا بإنجازات لم تُحقق ووعدٍ لم ولن توفى!!
لقد عِشتُ حياتي مبتسماً فأنا المواطن السوري الذي أعيش بأمان،وقد علمتني الأيام ألا آبه لأحدٍ سوى نفسي فلا أبي يُهمني ولا أخي يُهمني،المهم هو الحكومة التي تربت على كتفي...وغالباً تدوس على رأسي وهي تبتسم!!
أهدتنا قيادتنا الباطلة مبدأ التغيّب والتكذيب فتلقفناه بشوق غريقٍ يتعلق بقشةٍ تُنجيه،لأننا بالاسم عرب ونرفض الاعتراف بالخوف والجُبن ونفضل أن نبدو سعيدين ومسرورين بمن يدوس رأسنا على أن نتحد ونرفع صوتنا،فنحن كمواطنين سوريين اتفقنا على ألا نتفق إلا حين تريدنا الدولة في أعراسها!!
//وأخيراً شعلة أمل وبصيص ضوء في سُرداقٍ مظلم//
قررتُ أنا المواطن السوري أن أرفع رأسي وأصرخ بكل قوتي لأفجر قهري المكبوت على مدى أربعين سنةً من الظلم والذُّل والقهر الذي توارثته عائلاتنا السورية بكل فخر وأهدوني إياه أهلي وأنا في المهد والدموع تغرق عيونهم..خرجت إلى الشارع وصرخت "حرية..حرية..حرية" وأودّ فعلاً أن أخبركم بشعوري لأنني للمرة الأولى في حياتي أدركت بأني إنسان ولي صوت!!
بعد أن رُدت إلي إنسانيتي لم أعد أستطيع التوقف رغم أني أدركت سيريّ نحو المجهول وبشكلٍ أو بآخر كنت أعلم أن أقدامي تسوقني إلى بيت خالتي الظالمة::المخابرات السورية::!!
ها هو صوتي الذي استمتعت بسماعه لأول مرةٍ في حياتي يعلو أكثر فأكثر مطالباً بالحرية هائجاً في وجه الظلم الأسدي وأصحابه،وبدأت ارتفع عن الأرض قليلاً قليلاً وكأنني عبرت حدود الواقع إلى أرض الحرية الخيالية التي حُرمت علينا محلياً ودولياً!!
فجأةً تمزق الحلم بأذرعٍ قاسية قيدتني وجرتني بعيداً لتعذبني،لتضربني،لتشتمني وتهينني بحجة حفظ الأمن!!
أنا المواطن السوري الذي استوطن جدي الأول في أرض سوريا الطاهرة ولم يعرف بعدها هو وسلالته ما يوجد خارج حدودها أصبحت عميلاً مزروعاً في وسط أهلي وشعبي،ولكن متى؟وأين؟وكيف؟والسؤال الأهم عميلاً لمن؟؟!!
أنا المواطن السوري لا أعلم إجابة كل هذهِ الأسئلة وأعتقد بأنه لا داعي لذلك لأن أولاد بيت الخالة::جلادو المخابرات السورية::يعلمون الإجابة بدلاً عني وقد درسوها وحضروها قبل ولادتي بسنين!!
دخلتُ بفخرٍ وعِزّ وآلامٍ مُبرِحة تجتاح جسدي إلى زنزانتي الكئيبة..عفواً هل قلت دخلت؟! أعتذر فأنا قد رُميت وبقوةٍ إلى داخل زنزانتي الكئيبة وحين تأوهت كما يفعل البشر عادةً فاجأني سجاني بكلماتٍ لطيفةٍ ظريفةٍ وقال لي:<اخرس يا حيوان>
يا إلهي لقد حاربت لأكون إنسان وها هو يسلبني فرحتي بثوان!!
تحقيقات تليها تحقيقات وتتبع بتحقيقاتٍ أُخرى وأوراقٌ تفتح مكتبة طبعت عليها اسمي واسم عائلتي وأبي وأمي وأخي وأختي وسلف أجدادي أجمعين وكدت أصل إلى أبي آدم لولا رحمة العالمين!!
//حياتي داخل الأسوار//
لم يكن عذابي شديداً عليّ بقدر ما كانت تلك الأصوات تقتلني وتفزعني وتمزق نياط قلبي تلك التأوهات التي انطلقت من حنجرة مواطنٍ مظلوم..أو عميلٍ مزروع،كما سيدعون!!
ويا إلهي كم أحسست بالمتعة وأنا استقبل وجبات الطعام بمواعيدها الثابتة في كل يوم أعني أنهم بذلك قد تخطوا أشهر الفنادق بإلتزامهم ورفاهيتهم وأطعمتهم التي تفتح الشهية..لكي يقتل الإنسان نفسه!!
واحذر ثم احذر وأيضاً احذر أن تذكر اسم الله فلا إله عندهم إلا قادة الحكم ولا ملائكة على الأرض إلا البعثيين الذين لم يكفيهم إلى الآن ما شربوه من دماءنا وما نهبوه من ثرواتنا ولازالوا ينتظرون المزيد.
وقت النوم..لا أعلم ماذا أقول عن هذا التوقيت بالتحديد فأنت كإنسان تحتاج إلى النوم بعد كل هذا العذاب،لكنك طبعاً كإنسان لن تحتمل النوم كثيراً ولن تطيقه على بطانيةٍ رقيقة تفصلك عن الأرض التي تحتك،بطانيات امتلأت بالغبار والأوساخ عدا عن شعر البشر الذين سبقوك إلى ضيافة بيت خالتك::المخابرات السورية::ورائحة الرطوبة التي تنبعث في المكان وهذا شيءٌ بسيط كونك أصبحت زائراً تحت الأرض،أما بالنسبة لوقت النوم فاعلم أنه قصير أو طويل أو أي شيء لأنك قد لا تستطيع النوم قبل منتصف الليل وبالتأكيد ستصحو بالإكراه قبل طلوع الفجر لتستمتع بالإفطار الباريسي الفاخر.
حين تُستدعى للتحقيقات عليك أن تكون ضعيفاً جداً ومذلولاً جداً واتباعياً جداً،فالوحش الذي يستجوبك لا يرحم مهما كانت إجابتك والتعذيب لديه غاية وليس وسيلة.فهو لا يريد إعترافك فعلاً إلا على أمثالك من الأحرار أما غاياتك الحقيقية سوءاً كانت في صالح البلاد أما لا فهي لا تثير اهتمامه وما يسترعي انتباهه هو الحصول على مزيدٍ من الضحايا لتعذيبها وقمعها والتنكيل بها!!
تُقدم لك ورقة مرتبة نظيفة كتبت بخطٍ جميل وكلماتها منمقة مدروسة ومخطوطة بعناية ويقال عن هذه الورقة بأنها اعترافك الشخصي ولو فكرت أن تطلب قرأتها فقد ارتكبت جنايةً فظيعةً بحق نفسك فتنهال عليك من كل اتجاه الشتائم والضربات،ولكن لنكن صريحين ولا نبخس الوحوش حقهم فبعد كل الضرب والشتائم سيسمحون لك بقراءة الورقة،لكن المشكلة هي أنك لن تجني شيئاً من ذلك فما أن تقرأ اعترافك حتى تكتشف أنه ليس اعترافك أنت بل هو تلخيصٌ لما يريدون إلصاقه بك!!
الأيام هُنا تمضي ببطئ مائة عام لكل ساعة فأنت لا تبصر ليل ولا نهار ولا تعلم في أي ساعةٍ من النهار أو الليل أنت لأن الشمس لم تصل إلى تحت الأرض بعد،وإذا سألت عن الساعة أكثر من مرةٍ واحدة تبدأ النظرات المشككة والشتائم والإهانات تنهال عليك مرةً أخرى..يا إلهي ألا يوجد شيءٌ هُنا نستطيع فعله دون أن نتلقى ذلك الرد الجميل؟!
أجمل ساعاتي كانت تلك التي قضيتها وأنا مرميّ ومنسيّ في زنزانتي التي ضاقت ذرعاً بي انتظر كرم الجزارين عليّ لربما الآن أو الآن أو الآن سيأتي أحدهم بخبر أو إشارة،وبعد مرور يوم تبدأ نفسك بالتشاؤم والتساؤل وما أن يمضي اليوم حتى تعود نفسك قويةً متفائلة فأنت دخلت هُنا مرفوع الرأس بالرغم عنهم وأصبحت إنسان بالرغم عنهم وستبقى كذلك بالرغم عنهم.واستعادتك لإنسانيتك وحده ما سيقويك ويبثّ فيك العزم أما هم فسيتابعون بثّ سموهم فيك..يبدءون بأخلاقك التي يشككون فيها ثم يؤكدون على نبلها ورفعتها،كيف اجتمعت فيك أرذل الأخلاق وأنبلها لا تعلم ولا تفهم؟!
ثم يتجهون صوب ديانتك أو عقيدتك أياً كانت فيشيرون لك ببداية الحديث كشخصٍ طائفي يسعى لخلق المشاكل وتفضيل جماعته عن البقية،والمضحك في الموضوع أنك قد لا تكون بذاك التمسك بدينك أو عقيدتك بل أنت مجرد شخص ولد هكذا وورث ما ورثه عن عائلته أو مجتمعه وتمسكك الوحيد هو "بسوريتك" أي جنسيتك السورية ولكن طبعاً هذا شيءٌ لا يعترفون به..إلا فيما بعد بقليل حين يلمسون بك التصديق لخداعهم ويحسون بأنك قد عبرت المرحلة الأولى نحو العودة إلى السبات الذي كنت فيه من قبل،حينها فقط تعود كأي مواطنٍ عادي يريد الخير لبلاده_من وجهة نظرهم وليس فعلياً_فلو كنت تحمل الأدلة القاطعة على أنك طائفي وصاحب فتنة سيعاملونك باحترام لأنك تستجيب لغبائهم وتحترم ظلمهم وتركع لطاغيتهم.
والمرحلة الأخيرة في ذاك التدريب الغبي هي مرحلة المعاملة الطيبة _أو هذا ما يمكننا إطلاقه عليها بعد كل الذي حصل_ حيث يباشرون إقناعك بأن إذلالك كان في سبيل حرية الأمة العربية وضربك لأجل الصالح العام وكل أذى أصاب جسدك أو نفسيتك هو ضرورة سياسية لأنك لا تشكل أي خطر على أحد إلا نظامهم الفاسد.
جاءت اللحظة الحاسمة بعد أيامٍ طويلة حُرمت فيها من أبسط أبسط حقوقي حتى كحيوان لحظة سيعيدون فيها إنبات بذور المواطن السوري الخائف في داخلي ويسلبوني حريتي اللحظة التي سيحتفلون فيها بكل ما زرعوه في رأسي طوال فترة العذاب الماضية بغية أن يطلقوني إلى العالم المقيد خائف مُنكس الرأس مرتجف الأطراف كما كنت قبل أن أكسر قيودي..ولو أنني فكرت للحظةٍ واحدة لحظةٍ واحدة فقط بأن أرفض نمو تلك البذور أو أتمرد عليها سأكون قد وقعت على شهادة إعدامي بنفسي،لأنني بذلك أتمرد على القبضة الحديدية وأعترف بالخيانة،فالحرية في بلادنا دوماً مرتبطة بالخيانة..
أو لأتحرى الدقة فهذا ما زرعوه في رؤوسنا..
¦¦
المطالبة بالحرية = الخيانة العظمى لقانون الجلادين = خيانة سوريا !
¦¦
رأيت الشمس الساطعة بعد أيامٍ طويلة ولم أستمتع بها كما اعتقدت فكل عظمةٍ في جسدي تتأوه بقوة،وفزعت من أن يقترب مني أحد فقد كنت كشخصٍ خرج من أقرب مكب قمامة، وبعد أن انقطعت عن العالم لفترةٍ من الزمن أردت الصراخ بالحرية مرة أخرى ولكن أنا لست في بلدٍ يحترم الأحرار أو يسمح لهم بالكلام
..فالحق هُنا قد قتل والعدالة انتحرت..
أما من نطق بالحق فهو حتماً يزور مرابعنا في صيدنايا!!
لذلك أثرت الصمت لأرتب أمري وأنتظر رفاقي في الحرية ليجتمعوا سوياً وحينها فقط سنصرخ "حرية".
مذاكرات معتقل رأي سوري
معاً نحو الحرية.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

فضلا اترك تعليقك أو أكتب طلبك هنا، مع الحفاظ على أدب الحوار، واكتب اسمك من فضلك....